الخميس ٢٨ / نوفمبر / ٢٠٢٤
من نحن اتصل بنا سياسة الخصوصية

كورونا تحول موائد الرحمن الى دليفرى وتعرف على تاريخها من العصر الفاطمى

#موائد_الرحمن_كرنفال_رمضاني_يتحول_إلى_دليفري_إنساني_بسبب_الكورنا
لافتات مرفوعة بإسم"موائد الرحمن"،

 

شربات عبد الحى 

 

سرادق موائد الرحمن، تتراص فيها الطاولات والمقاعد، بطول شوارع مصر وعلى الطرق السريعة، ومع آذان المغرب يجلس عليها كل عابر ومسكين، فهم أُناس لا يعرفعون بعضهم البعض، ولكن جمعتهم مائدة الرحمن، مشهد ينتظره العابرين من كل عام، تعتبر من أشهر طقوس شهر رمضان الكريم، فهو يميز أصحاب القلوب الرحيمة، ففي الموائد نرى المعنى والإحساس واحد، لكنها اختلفت فى شكلها ومحتوى الطعام المقدم بين الأحياء الراقية والشعبية.

 

عادة رمضانية، تغيب عن الأنظار هذا العام، لتتحول الموائد الثابتة إلى وجبات يومية متحركة يتم توصيلها للفقراء والعابرين من المواطنين، وذلك بسبب الوباء اللعين فيروس "كورونا"، الذي تسبب فى حصار تلك الموائد وأصحابها، بعد تحذيرات وزارة الأوقاف من التجمعات فى الصلاة والتهجد وقيام الليل، خوفًا من انتشار الفيروس القاتل، ومن ثم فإن موائد الرحمن- والتى تشهد نفس التجمعات- من المحتمل أن تختفى هى الأخرى، وذلك بأوامر من الأجهزة التنفيذية التى تطبق ساعات الحظر، من السابعة مساءً وحتى السادسة صباحًا، وهى الحالة التى من المتوقع أن تمتد خلال الفترة المقبلة.

مائدة الطعام الديلفري"..

 

وهي تعني توصيل الطعام إلى المحتاجين بأي طريقة وفي أسرع وقت، هي فكرة جديدة من نوعها، حيث يتم إرسال وجبة الإفطار إلى بيوت الفقراء أو إعطاءه للجمعيات الخيرية أو العابرين، يوميًا قبل أذان المغرب بساعة، فيقوم أصحاب القلوب الرحيمة، بتقسيم العلب على طعام الإفطار والسحور، حيث يتم توزيع الخضار واللحمة والعصائر في الفطار، ولكن قبل الدخول في طرق تحويلها، يجب أن نعرف أصلها تاريخيًا. اختلف المؤرخون حول بداية موائد رمضان، فمنهم من أرجعها إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من أرجعها إلى عصر أحمد بن طولون، وآخرون نسبوها إلى عهد المعز لدين الله الفاطمي، ورويات أخرى تشير إلى بدايتها في عصر هارون الرشيد. 

يروي المؤرخون أنه في النبي صلى الله عليه وسلم أقام مائدة للوفد الذي أتى إليه للمدينة المنورة من الطائف لإعلان إسلامهم، وظلوا فترة بالمدينة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل لهم إفطارهم وسحورهم، مع الصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه، وذلك بحسب دراسة تاريخية أعدها عضو اتحاد المؤرحين العرب إبراهيم عناني.

ومن بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم سار على نهجه الخلفاء الراشون، وفقا لـ"للدراسة"، إذ يقول إن عمر بن الخطاب، رضي الله هعنه، أقام أول دارا للضيافة يفطر فيها الصائمون من الفقراء والمساكين وعابرو السبيل، وذلك في العام السابع عشر الهجري.

وتوصلت الدراسة، إلى أنه في مصر كان الإمام الليث بن سعد، إمام مصر ومن أثريائها يفضل تناول الفول في رمضان،  في حين يقدم لخدمه أشهي الأطعمة يقيم موائد الرحمن"، واشتهر بتقديم الهريسة. 

 

وتستطرد الدراسة، إلى أنه في عام 880 م فى عهد الوالي "ابن طولون" كان إلى جوار مسجد ابن طولون حديقة من الأشجار والورود، وملحق بها حديقة للحيوان تضم السباع وابن أوي وحيوانات أخرى، وفي هذه الحديقة وتحت أشجارها يقيم ابنه خيماروية مآدب الإفطار والسحور طوال شهر رمضان.

 

واستمرت الموائد في العصر الفاطمي، وكان يُطلق على موائد الرحمن الخاصة بالفاطميين "دار الفطرة"،  وكانت تقام الأسمطة 175 مترًا وعرضها 4 أمتار في عهد العزيز بالله الفاطمي، وفي عام 975 م بعث إلى أمير دمشق يطلب قراصيا بعلبكية، فعاد الحمام الزاجل وفي إبط كل واحدة "حبة قراصيا".

وخلال

 

العصر الفاطمي، ازدهرت موائد الرحمن واهتم بإقامتها الملوك والأمراء، وتقول كتب التاريخ إنهم كانوا يخرجون من بيوتهم نحو ألف ومائة قدر من مختلف ألوان الطعام لتوزع على الفقراء والمساكين ولتمد بها الموائد، وقلدهم في ذلك الأغنياء وأصحاب الأسر المتوسطة بتجهيز الطعام أمام منازلهم وفي حجرات الاستقبال لانتظار ضيوف الرحمن من الفقراء والمسافرين.

 

وفي عهد المماليك ظلت فكرة موائد الرحمن قائمة، وكان السلطان حسن يقدم كل يوم من أيام رمضان 117 ذبيحة؛ لأنه بدأ في تقديم الذبائح منذ أن كان عمره 17 سنة فأضاف عليها مائة واستمر السلاطين من بعده يقدمون الذبائح في رمضان.

وكذلك العصر العثماني، الذي انتشرت فيه الموائد أمام البيوت، فكان أمام كل مائدة أمير، وتوسع في ذلك الوالي العثماني عبد الرحمن كتخدا الذي أطلقوا عليه إمام الخيرات.وبحسب ما توصلت إليه الدراسة، فإن قائد المماليك كان يوزع كل يوم في رمضان 12 ألف رغيف ويشرف بنفسه على توزيع الصدقات، واستن الملك الظاهر بيبرس سنة طيبة وهي توزيع عدد من أحمال الدقيق والسكر والمكسرات ولحم الضأن على الفقراء حتى يتمكنوا من تناول الطعام في بيوتهم.

بينما يروي مؤرخون آخرون أن أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، هو صاحب فكرة موائد الرحمن، فهو كان شديد العطف على الفقراء والمساكين طوال العام، لاسيما خلال شهر رمضان، وكان يأمر بإقامة موائد للفقراء الصائمين وفي السنة الرابعة من ولايته أقام أول مائدة رحمن فى مصر.

وبحسب روايات تداولتها منتديات تاريخية، فإنه في أول يوم رمضان جمع ابن طولون كبار التجار والأعيان، ويقال إنه جمع الفقراء معهم على مائدة كبيرة بها أشهى الأطعمة.

وخطب بن طولون فيهم قائلا :"إننى لم أجمعكم حول هذه الأسمطة إلا لأعلمكم طريق البر بالناس، وأنا أعلم أنكم لستم فى حاجة إلى ما أعده لكم من طعام وشراب، لكننى وجدتكم قد أغفلتم ما أحببت أن تفهموه من واجب البر عليكم فى رمضان، ولذلك فإننى آمركم أن تفتحوا بيوتكم وتمدوا موائدكم وتهيئوها بأحسن ما ترغبونه لأنفسكم فيتذوقها الفقير المحروم".فيما رجح مؤرخون آخرون أن موائد الرحمن تعود بدايتها إلى العصر العباسي خلال حكم هارون الرشيد، إذ كان يقيم موائد الرحمن بحدائق قصره.

وتشير الروايات إلى أن "الرشيد" كان يتجول بين الموائد متنكرا، ليسأل الصائمين عن رأيهم فى جودة وكفاءة الطعام ليردوا بصدق دون مجاملة. 


"خد فطارك وأفطر في البيت".. تخطف الطقوس الرمضانية والأجواء الروحانية بسبب الكورونا
"خد فطارك وأفطر في البيت".. تقليعة جدية أبتكرتها إحدى المناطق الشعبية بمنطقة المحروسة، وذلك بعد انتشار فيروس كورونا، وبين السخرية والحزن تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة البرق.

حزن خيم على البعض، والاخر اتخذها بسخرية، هذا هو حال رواد التواصل الاجتماعي، فالبعض حزن لقدوم  الشهر الكريم بدون فرجة أو بهجة، فبدلًا من وجود لافتات مرفوعة بإسم"موائد الرحمن"، وسرادق تتراص فيها الطاولات والمقاعد، بطول شوارع مصر وعلى الطرق السريعة، سيصبح المشهد مجرد وجبات تعطى للعابرين والفقراء، خوفًا من فيروس كورونا، أما الأخرين أكدو أنه لن يحدث هذا الأمر، وأن الفيروس سينتهي بمجرد قدوم الشهر الكريم، لا يعلمو أن المرض لا يفرق بين الشهر الكريم والخبيث، فالفيروس يقف بالمرصاد للعالم كله، حيث أصبح يأكل الجاف واليابس، وأمسى يضع الخوف والقلق في قلوب الكثيرين من البشر.
هل ستصبح الأجواء هذا العام مختلفة، هل ستنتشر تلك اللافتات في أروقة المحروسة وتتغيب طقوس الشهر الكريم بسبب الوباء اللعين، أم سنرى مع آذان المغرب، موائدة رحمن يجلس عليها كل عابر ومسكين، خاصة وأنه في الموائد نرى المعنى والإحساس واحد، باختلاف شكلها ومحتوى الطعام المقدم بين الأحياء الراقية والشعبية.

موضوعات ذات صلة